الباحث: أيمن فهمي أبو هاشم
تميّز الفلسطينيون السوريون بثنائية الارتباط والانتماء المزدوج والمركب، لديارهم الفلسطينية التي طردوا منها، وتمسكوا بانتمائهم إليها جيلا بعد جيل، وانتمائهم للوطن السوري الذي عاشوا فيه، وتساكنوا مع بيئاته المجتمعية، وعاصروا تقلباته وتحولاته السياسية والاقتصادية، وشاركوا في دورة الحياة السورية بمختلف تجليّاتها، وأصبحوا جزءا من التكوين الوطني والمجتمعي السوري.
بناء على تفاعلات هذه الثنائية وتداخلاتها، تأثر اللاجئون الفلسطينيون، بالأزمات الداخلية السورية. وتجلت مؤشرات توتر الحالة الفلسطينية في سورية، لأسباب وعوامل سياسية صرفة، في منتصف حقبة السبعينيات، مع ارتكاب نظام “حافظ الأسد” مجزرة “تل الزعتر” في لبنان، وملاحقة مع أطلق النظام عليهم “العرفاتيين” بعد الخلاف بين نظام حافظ الأسد وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية.
تلك الحقيقة تفسر بدورها انحياز غالبية الفلسطينيين للشعب السوري، منذ انطلاق ثورة الكرامة عام 2011، حيث انخرط في حراكها الشعبي، أكثرية المخيمات والتجمعات الفلسطينية. وقد راكمت تجربة الثورة السورية في تقلباتها وتحولاتها حقائق صادمة لدى فلسطينيي سورية، منها الضريبة التي دفعوها من تدمير مخيماتهم وتهجير ساكنيها، والقتل والاعتقال والحصار والتجويع؛ ومواقف وسلوكيات بعض فصائلها، التي تواطأت على معاناته.
ورغم تضحيات الفلسطينيين وتمسكهم بالدفاع عن الثورة السورية، كانت تخرج بين الفينة والأخرى أصوات شعبوية تحاول تعكير المعاني الشجاعة والنبيلة لمشاركة الفلسطينيين في الثورة؛ شككت، بما يكشف عطبا في وعيها وضميرها، في انحياز الغالبية الفلسطينية السورية إلى الثورة، من خلال تعميم صفة “التشبيح” على الكل الفلسطيني، بذريعة تشبيح ميليشيات فلسطينية محسوبة على النظام.
وبعد سقوط النظام السوري السابق، بدأت بالبروز جملة من التساؤلات المرتبطة بمستقبل الفلسطينيين السوريين. تساؤلات حول وجودهم ومكنون حقوقهم المدنية في سورية الجديدة. وتتعالى اليوم النقاشات والحوارات داخل أوساط فلسطينيي سوريا، حول مستقبل الوضع القانوني والحقوق المدنية والسياسية، في المرحلة الانتقالية، ما يعيد إلى الواجهة ضرورة التوصل إلى نص واضح للمركز القانوني الذي ينظم الوضعية الفلسطينية راهنا ومستقبلا، لاسيما ضبابية التأويل، توسعا أو تضييقا، حسب المتغيرات السياسية، وهذا ما كان يحكم النظرة المعيارية لحكومات الأسد السابقة، في تعاملها مع تطبيقات هذا القانون، كتقييدها لحق الملكية، كما رأينا في القرار رقم (1011) الصادر عن حكومة النظام السابق عام 2022، الذي يعتبر “الفلسطينيين السوريين المقيمين في أراضي الجمهورية العربية السورية بحكم الأجانب”، في مخالفة صريحة للقانون ( 260)، وإجراءات أخرى كان قد تم اتخاذها في العقود الماضية، أدت إلى تقييد حق الفلسطيني السوري بالسفر والتنقل.
وتقترح الورقة ثلاث خيارات مقترحة، قد تسهم في بلورة المقاربة القانونية للفلسطينيين السوريين، أولها، تعديل القانون 260 لعام 1956، بإضافة فقرات واضحة تنص على معاملة الفلسطيني السوري بحكم المواطن السوري. ثانيها، صدور مرسوم رئاسي، يمنح الفلسطينيين السوريين حق المشاركة بالانتخابات العامة السورية، كي يتسنى لهم المشاركة الحقيقية في بناء الدولة في مرحلتها الانتقالية، وما بعدها. وثالثها، صدور قانون عن مجلس الشعب الجديد بمنح الفلسطينيين السوريين حق اكتساب الجنسية السورية.
غير أن ثمة مخاوف تثار اليوم بشأنه لدى فئات من اللاجئين، يخشون من اقترانه باتفاقيات سلام وتطبيع، تؤدي إلى شطب قضية اللاجئين وطمس الهوية الأصلية لأصحابها، على طريق تصفية القضية الفلسطينية. وتذهب بعض التحليلات إلى وجود شرط مسبق يتعلق بتجنيس الفلسطينيين السوريين قبل إبرام أية اتفاقية سلام بين سوريا و”إسرائيل”، وفق تسريبات متقاطعة حول قضية التطبيع بين الجانبين.
لقراءة الورقة اضغط هنا